وکلاء الخاصة في الأندلس منذ قيام الدولة الأموية حتى نهاية عصر ملوک الطوائف (138-484هـ/755-1091م)

أفصحت التجربةُ المعرفيّةُ لتاريخِ المجتمعات البشريّة عن حقيقة مؤدّاها: أنّ المهام التي يُناط بالفرد تأديتها تتعدّد وتتنوّع بحسب ما ينتج عن درجة الارتقاء الحضاري، التي يمر بها المجتمع، من ترتيبات إدارية وتعقيدات توثيقية. وقد مرّت مجتمعاتُنا على مدار تاريخها، في ظل الحضارة الإسلامية، بدرجة واضحة من الارتقاء الحضاريّ، الذي أدّى إلى تعدد المسؤوليات وتعقيد المهام، وخاصّة تلک الملقاة على عاتقِ المسؤولين وأصحاب الشأن في السلطة السياسية.
ومن تلک المعطيات نشأت الظاهرة التاريخية، التي نطلق عليها في سياق بحثنا الحالي، "وکلاء الخاصة"، ومعناها: أن يقوم شخص من خاصة المسؤولين في الدولة من الحجاب، والوزراء، والقادة العسکريين، والأثرياء، والفقهاء، والقضاة، وغيرهم من المقربين للسلطة المرکزية بتوکيل شخص ينوب عنه في تأدية مهمة أو مجموعة من المهام التي ينوب عنه في القيام بها، بالصيغة والکيفية التي يحددها له الموکِّل، وهو ما أنتج صورًا عديدة وصيغًا متباينة لتوکيل الخاصة، الذي نعاين بعضًا من ارتباطاته بالوقائع التاريخية في بحثنا الحالي. ورغم تعدد المهام التي قام بها وکلاء الخاصة في إدارة الدولة، بما انعکس على کثير من الوقائع التاريخية، فإن توکيل الخاصة لم ينل حظه من التناول البحثي، إلا في بعض المواضع البحثية التي ورد فيها عرضاً ودون تحديد بحثي موسّع.
وتتمحور الدراسة حول تلک الحقبة التاريخية مع التعريف اللغوي والاصطلاحي للوکلاء، ومساهمتهم في الشأن السياسي، وکثير من الشؤون العامة کالمشارکة في حضور الاحتفالات والمناسبات، وإقامة المنشآت المعمارية، وولاية خطة القضاء، وإدارة الشؤون المالية والممتلکات.